كاميرات ادبيه
لايمن غنيم
صورة تلتقطها عدساتى بلون الادب الداكن
ذاك المربع الضيق الذى لايزيد عن بضع مترات وفى غرفة محكمة الغلق ومكدسة بمكاتب منسقة اذا يخصص لكل فرد فيها بمكتبه الخاص والذى يحجبه عن الاخر وكانه ينفرد بتلك الفراغات التى تحيطه حرا فى حركته وينغمس كل عالمه الاوحد مابين جهازه المحمول تارة ومابين حاسوبه تارة وتارة ينكب على ورقاته اما مطلعا او مصوبا لاخطاء تلاميذه قانعا بدوره وقانعا بمهنته التى ارتضاها واخر ناقما مضجرا على ماالفه من سنوات عديده واصبحت فى عتاد العادة الرثة المملة والتى لا تعدو لحظات فى يومياته وتمر تباعا دون ادنى متعة منه لانه فقد حواسه مع اناس تبلدت حواسهم . ورغم ام الغرفة هذه لها طابع التنظيم الا انها تبدو عارمة مقشعرة لانها تحوى افكار مشعوزة بدون ملمح فكرى وتضمر نوايا ليست بسوية تجاه بعضهم البعض وكان الناس تتعارف لكى تفسد ودها وتتعارف لكى تمحو الخير بداخلها تجاه بعضهم البعض وتجمع تلك الغرفة المتناقضات بحذافيرها من ديانة وجنسية وسلوك واداء وكل يعبر عن خلاصة عمر مضى من تربية وثقافة معهوده قد عرفها او تربى عليها وتلك الثقافة الموروثة التى تعكس مكنون فكر وتمثل جيل باكمله وتعهد الخير او الشر على شاكلته وكان كل فرد فيهم مراة يعكس فيها واقعه الخفى عن العالم حتى وان اراد ان يخفيه فهناك على اليمين معلم يدعى عادل هذا الصعيدى الذى لايتجاوز عمره الاربعين . يبدو عليه الدعابة والمزاح فى معظم حديثه ويهيمن على الجميع بروحه الخفيفة الا انه يحمل بين طياته عكس مايظهر وهو قادر على التعامل مع الناس بالاسلوب الذى يرتضيه لنفسه وبغض النظر عن مايستشعرونه تجاه بعضهم البعض فتجد الفرد منهم يضحك وتعلو ضحكاته مع زميله الذى يجاوره وتعتقد انذاك ان حب العالم قد ملا قلوبهم وان محبتهم اكتظت مشاعرهم وفاضت من سيل مشاعرهم الفضفاضة ومعسول حديثهم الراقى ولكنهم يضمرون الكراهية ويتمنى احدهم لو ان يبتلى الاخر بمصيبة تفقده توازنه وتفصم قواه يارب رحماك شىء مخيف ان تتعامل مع اناس ببسمات مزيفة وضحكات هازية وكاننا تربعنا على عرش النفاق وابدعنا فى اداءه وانفصلنا عن مشاعرنا الحقيقية بزيف كلمات تصيغ واقعا اخر وتصيغ حياة ملساء ذات لون براق من السلوك المزعوم غير انها تفوح براءحة كريه تملا فراغاتهم بالحقد الدفين والكراهية المميته وهكذا تتعالى ضحكاتهم الماجنة وتعتم تلك الرؤية الايمانية والتى قتلت فى منظومة هؤلاء واعلوا وفقط امانيهم الطاغية يتوقون للمادة وفقط وكان العالم اصبح كتلة صماء من المشاعر وتبدلت كل المعانى الرقيقة بغلظة مطالبهم وبانانيتهم المعهوده وطفق الجمع يدور وفقط حول ماربه وخططه التى يخطها بيمينه ناسين ان الارزاق كلها بيد الله . ونحن مسيرون لمشيءة كتبت ولاحول ولاقوة لنا بها . وهذا هو عادل الذى راح يحصد ابتسامات عريضه وقالب اجتماعى لا باس به فقد الف التعامل ببراعة مع من يحيطونه دون ادنى مسؤلية منه او تحسب او خوف مما يحدثه ذاك الشقاق مابين مابداخله ومابين واقعه. حتى لاقرب الناس اليه رحماك ربى والغريب كل الغرابه ان مثل هؤلاء هم من يحققون رواجا اجتماعيا غير مسبوق وتتاتى منهم المصالح ويروجونها ترويجا وتعالو بنا نطوف باعيننا على الاخر الذى يجاوره وهو بنفس الرتابة الفكرية وبنفس المشاعر المتبلده التى لايمكن ترجمتها من سلوك متلون غير واضح المعالم ولكن تظهر جليا عندما ياتى خيرا ما لاحد زملاءه ترى عيناه مليءة بالحقد والضغينه ووجهه الاسود يزداد سوادا ولا يلفظ كلمة واحده تنم عن حتى اطراء او تهنءة لهذا الشخص الذى يجاوره او ذاك الذى يمكن ان يتقاسم معه لقمة او ياكل معه فى طبق واحد . هذا كان يدعى رجب وكان يتسم بالحشمة واللفظة الرصينة وكان يدعم نفسه بالك الايات التى كان يحفظها واو الاحاديث التى كانت تعضد موقفه مابين تاييد ومابين تشدد الا ان هذا يضيع سدى مع اول مصلحة مادية تطرق على بابه ويعصف بالغالى والنفيس لينال تلك المصلحة وساعتها ياناسى الايات وتتوه منه الاحاديث وفقك يذكر تلك الانانية التى يانس بها وفقط ويهود عاكفا على لابه ولايولى اهتمام لمن حوله دون مصلحته التى تنادى عليه او يظل صامتا وهناك على اليسار يجلس شخص اشيب الشعر الا انه مازال صغيرا لايتعدى الاربعين من عمره كان طفلا فى مشاعره يغضب لاقل الاسباب ويفرح لاقل الاشياء وكان يتسم بروحه الخفيفة وطيبة قلبه الا انه يعاند عناد الاطفال فى مقارنته بغيره لاتفه الاشياء يخاف كثيرا من كلام الناس ويمتثل لحديثهم ويتبع هواهم .وكان يخاف ان يحدث بينه وبين غيره ادنى شقاق مخافة ان يتتبعه فى حديث او مشكلة تعكر صفوه وتنال من حياته المغلولقة على نفسه وكان يترقب كل فرد فى حديثه لينتقده او يجاريه او يسبقه الا انه كان طيب القلب يحبه الجميع وكان قد لفظ انفاسه عندما غادر صديق له كان يعرف كل اسراره ويتتبع كل احواله الاسرية وكان يخشى ان يفشى شىء من تلك الداشياء التى كان يضمرها وقد افشاها له طواعية بهدف الاسترخاء والثقة التى كانت بينهما .الا انها اصبحت قيد تقيد حديثه معه وانذاك كان يترقب حديثه حتى مع من يحيطونه مخافة هذا الرجل . وذاك هو ان الامر اذا ماخرج من بين فكيك فهو عليك شاهدا ومنددا ومهددا لامنك وهدوء حياتك فاضمر مابداخلك ولاتفشيه فتصبح هكذا خاءفا قلقا على حياتك من هؤلاء الذين وثقت انت بهم وكان هذا الشخص يدعى زاهر وكان منمقا فى عمله جادا فى اداءه وكدودا فى مهنته وكانها هى عالمه المغلق ولايشوب فكره ولايهيمن على حواسه سوى عمله ينام ويصحو على تلك الاشياء التى سيخطط العمل لها الا ان كانت دوافعه للعمل ليس حبا او تفانيا انما كان يخشى ان يوجه له اللوم او العتاب على ماقصر فى عمله وتلك دوافع لا تحمل مثالية وانما تحمل الخوف وانه من الحماقة ان تفعل خيرا بوازع المصلحة او وازع الخوف من النتاءج التى تخالف مااربك او اهدافك التى تخفيها فى ذاتك وانما الخير يولد الخير ويدعمه ويسير فى خطا ثابتة مستقيمة لا تعرف انكسارا او اعوجاجا عن طريقها المعهود . وهناك كان يجلس بجواره شابا رقيقا يحمل من الحب للناس من حوله الاعظم والاعظم ولا يضمر كراهية لاحد حتى لمن يعاديه ذاك الذى اغلظت الدنيا على بسماته بظروف هى الاشد والاقصى فى الحياة برمتها وكانت ازمته الوحيدة هى. انه قد تميز عن غيره فى تلك الادوات التى كان يمتلكها والمهارات التى كان يتقنها فى مهنته فضلا عن المواهب التى كان انعم الله عليه بها نعم فقد نسجت تلك المواهب الفريدة من نوعها دواءر حقد بغيضه والتف الناس من حوله ليربكوا حياته ويهدوا تلك الانعزاليه التى كان يعيشها متاففين من وجوده معهم ويتمنوا جميعا لو يغيب عن هذا العالم الذى يجمع بينهم وكل ذنبه انه يشعرهم بانهم عرايا مع انفسهم فتفضح براءته سواد قلوبهم وتكشف صراحته حمق كذبهم وتكشف نواياه الخيره سواد قلوبهم ولهذا يكرهونه ويلاحقونه فى اى تصرف بنقدهم اللازع فبدلوا الطهر بروث مفاهيمهم وراح يندب حظه فى ان يكون ضمن هؤلاء او يمتطى جواد هذه المهنة السامية والتى اصبحت باءسة بلا روح ولا نبض ولاهدف ولا مغزى يمارسونها .فكان يدعى احمد شاب اطاحه العته وتربصت له الاحقاد فاانزوى بعيد ا عن تلك الصحبة بصمته ففارق الحياة وهو مازال على قيدها معهم
وهناك على البعد فى ركن صاخب يحمل روث فكر اهوج وفساد فى قلبه تغلغل وارتسم على ملامحه القبح الافلج وتعهد بسلوكه البهيمية الافظع فلاهو بانسان بل بحيوان اغدق على سلوكه كل موروثات الفسق والبشعاه وتفنن فى ادراك فنون الخلاعة فلا صدق ولا صلى ولا حتى تعلم اى خلق فبصق الزمان على زملاءه بهم هذا الشخص الذى كان يتلفظ حماقة وينطق بشاعة ويلملم من حديثه قصاصات بالية من حياة ليست فى منظورى انا الا انها بهيمية يتتبع عورات الناس فى اسفل احاديثه ويعرى مابداخلة فى الفاظه التى لاتعرف طريق للحياء وتلك الرعونة والبلاهه التى يمتطيها وقمة الجهل فى مهنته وروعونته وتلك الملامح الغبية التى تطفىء جمال وروعة المكان من حوله وتصبح بسجن وقضبانه هو ذاك الوجه العابس وكان يدعى حماده وكان باولى ان يسمى جهالة او حماقة فتلك هى الاصوب . فمثل هذا يجعلك تلعن نفسك الف مرة ومرة بانه حتى يشارك الهواء الذى تتنفسه فهو كومة باليه من الفساد والحمقاة لعنة الله عليه .
والتناقض الذى يضيف غرابة ودهشة لمثل هذه الغرفة هما الجيران الذين يحيطونه ولما لهم من طباع هادية وهدوء يعطى لمسة راقية للمكان فهذا الهندى الهادى الطباع والمتزن فكرا والمتعاون مع الجميع رغم انه ليس بمسلم الا انه يفتعل الايمان بسلوكه السوى ويعتلى قمم الاحترام من قبل من يتعامل معه وتهدا كل انفعالاتك فقط عندما تتعامل معه وكانه رجلا يحمل طهارة وبراءة طفل بداخله ففى خضم المحن تجده مبتسما رقيق القلب متزنا بسلوكه وراقيا فى اداءه . فكان يدعى باتشان ويعرف كثيرا عن طباع العرب الا انه ادرك معيار فكرهم فانزوى بعيدا عنهم وكان يصمت طوال وقته ولا يتحدث الا عندما يحادثه اخر . وبجوار ه شابا تبدو عليه الطيبة والرقى والتدين غير ماهو معروف عن الناس من بنى جنسه اوبلاده فكان تونسيا وليس بماهو معروف عنهم من تفتح او انفتاحية فكريه وامما كان مهذبا ولا يتدخل فيما لا يعنيه وانما تعلو ابتسامته النقية جبينه ودون ادنى حقد يتعامل ودون ادنى تحفظ او ادنى مباغته او مرواغه كمثيله من زملاءه يتعامل . وهناك اخر سودانى الجنسية رغم سواد وجهه الا انه كان يحمل بياضا ماصعا فى قلبه ويعد سلوكا سويا معتدلا مع الجميع لايعرف سوى الحب الذى يجوب دواخله وتلك الابتسامات التى تنير مكانه الذى يجلس فيها مرحا بشوشا ولا يوجد لديه الا مايرضيك اذا ما ساقك القدر فى طريقه . وكان يدعى محمود وكان يملك من الصفات الحميده التى تحاكى وتماثل اسمه . فهنيءا لمن يملك تلك الخصال الوارفة بجميل صنعها مع زملاءه .
وهناك بجوار باب الغرفة كان يجلس يحيى كان عمانى الجنسية يجلس دون ادنى ضوضاء فى حديثه او شغب حتى فى ضحكاته وكان يخلص فى عمله دؤوب ينخرط فى عمله طوال الوقت عاكفا على لابه دون ادنى تحسب للاخر او ادنى اكتراث لما يحدث من حوله .وكانه يحارب الفجوة الثقافية والتى تكبر يوما عن يوم بينهم حتى صاروا بلا حديث بينهم وبلا مفردات تجمع بينهم وراحو يحصدون صمتا تلو صمت وتيه تلو تيه فزادهم فرقتهم غربة فوق غربتهم وتلك هى الغرفة اللعينة التى تضمر واقعا مخيفا من نماذج الحياة التى نعيشها .فهم اناس بلا اناس .واصحاب مهنة فرغت من اصالتها وفرغت من ادواتها وهى المصداقية وتلك الدوافع النبيلة لان من لايحمل خيرا فى ذاته كيف يستطيع ان يدعمه او ينشره بين الناس فعوار على المهنة ان ممتهنيها لايدركون قيمتها .
تلك هى الصورة المكفهرة لعدستى اليوم
بقلم ايمن غنيم