جريدة رواد الغد الثقافيه رئيسا مجلس الادارة الاستاذه نداء الرؤح الاستاذ علاء العجمي

الاثنين، 24 يوليو 2017

بـــَينَ الرَّافِعِيِّ وَالعَقَّاد وَصِنَاعَـةُ التَّأصِيل بقلم استاذ/ محمد دحروج

بـــَينَ الرَّافِعِيِّ وَالعَقَّاد وَصِنَاعَـةُ التَّأصِيل
قَبلَ أَن أَبـدَأَ في أَمـرِ هَذِهِ المَقَالَةِ ؛ فَهَا هُنَا سُؤالٌ مُستَطرَفٌ أُحِبُّ أَن أُجِيبَ 
عَلَيهِ ؛ لأَنـَّهُ بـَاتَ كَـقَانـُونٍ مِن قَـوَانِـينِ التَّـرتِيبِ ؛ حِـينَ نَعرِضُ لِلحَدِيثِ عَن الرَّجُلَينِ :
لِمَاذَا نَبدَأُ باسِمِ العَقَّاد إِذا مَا كُنَّا بصَدَدِ الحَدِيثِ عَنهُ وَالرَّافِعِيِّ ؟
لَقَد وُلِدَ الرَّافِعِيُّ عَام 1886؛بَينَمَا وُلِدَ العَقَّادُ عَامَ 1889؛ فَإِذا كُنَّا نَرَاهُمَا 
مِن زَاوِيَةٍ وَاحِدَةٍ؛وَجَبَ تَقدِيمُ اسمِ الرَّافِعِيِّ لأَنـَّهُ سَبَقَ صَاحِبَهُ مَولِدًا؛غَيرَ أَنَّ القَومَ اعتَادُوا عَلَى المُخَالِفَةِ ـ مخُالَفَةِ أُصُولِ التَّرجَمَةِ حِينَ الإِقرَانِ ـ لِكَونِ الإِلفِ مَرَضٌ عُضَالٌ يُصِيبُ الأُمَّةَ حِينَ تُذعِنُ إِلَى لُغَةِ العَجزِ وَالتَّسلِيمِ؛ فَالعُقُولُ الضَّعِيفَةُ هِيَ الَّتِي تَنشَأُ إِذ تَنشَأُ؛فَلا تجَِدُ أَمَامَهَا مِن قَدَرٍ سِوَى قَدَرِيـَّةِ الإِيمَانِ وَالتَّفوِيضِ؛وَنحَنُ لا نجُيزُ ذلِكَ إِلاَّ في الأُمُورِ الإِلَهِيَّةِ الَّتِي أَتَت مِن قِبَلِ الخَالِقِ؛إِلاَّ أَنـَّنَا وُجِدنَا في عَهدٍ يَرَى مُنَاقَشَةَ العَوَائِدِ مُسَاوِيًا لِلكُفرِ حِينَ يَعتَرِضُ الضَّالُّ ـ جَهلاً أَو نَفسًا ـ عَلَى شَرِيعَةِ اللهِ فَيُنكِرُهَا جُملَةً أَو تَفصِيلاً؛ وَلَقَد كَانَ مِن بَدَائِعِ هَذِهِ الحِقبَةِ التَّارِيخِيَّةِ أَن قَامَ أَفرَادٌ مِن أَبنَاءِ هَذَا الجِيلِ المِصرِيِّ يَقُولُونَ لِلثَّوَابتِ المَزعُومَةِ في عَالَمِ الثقَافَةِ ( لا )؛لأَنـَّهُم يَرَونَ مِنَ الحَقِّ الَّذِي لا يَقبَلُ جَدَلاً أَن يُعَامِلُوا الوَقَائِعَ المَاضِيَةَ وَالآنِيَّةَ كَمَا فَعَلَ مَن سَبَقَهُم؛وَلَيسَ لِقِدَمِ العَهدِ يُقَدَّسُ الفَتَى؛وَلا لِحِدثانِ المَرءِ يُؤخَّرُ؛فَإِذا كَانَ اللهُ قَد اختَصَّ المُتَقَدِّمَ بالسَّبقِ الزَّمَنِيِّ فَهُوَ أَولَى بنِسبَةِ الأَمرِ إِلَيهِ مِن أُمُورِ الأَشبَاهِ وَالنَّظَائِرِ ـ وَإِن انتَفَت آثارُ التَّأَثـُّرِ ـ لِتَقَدُّمِ زَمَنِهِ؛فَإِنـَّهُ قَـد وَهَبَ ثـُلَّةً مِنَ المُتَأَخِّرِينَ قُدرَةً عَجِيبَةً عَلَى الاتـِّسَاعِ وَالتَّولِيدِ؛فَإِنَّ فَضلَ وَاضِعِ القَوَاعِدِ لا يَفُوقُ فَضلَ شَارِحِهَا وَمَن حَلَّ غَامِضَهَا وَمُستَغلَقَهَا؛وَإِذا كَانَ ذلِكَ كَذلِكَ: فَاعلَم أَنـَّهُم مَا قَدَّمُوا العَقَّادَ في الذِّكْرِ إِلاَّ لأَنَّ الأَنظِمَةَ كَانَ يُغضِبُهَا أَن يَشتَهِرَ الرَّافِعِيُّ وَأَن يُقَدَّمَ وَأَن يُقبلُ عَلَيهِ النَّاسُ؛فَإِذا بالأُمَّةِ قَد عَرِفَت الطَّرِيقَ الصَّحِيحَ إِلَى العَرَبيَّةِ؛وَإِذا عُرِفَت فُحُولَةُ اللُّغَةِ؛فَاستَقَرَّ ذلِكَ الفَهمُ وَثبَتَت تِلكَ المَعرِفَةُ في عُقُولِ النَّاسِ؛انعَكَسَ ذلِكَ عَلَى قُلُوبهِم وَنُفُوسِهِم؛فَإِذا برُوحِ الاستِقلالِ وَنَبذِ التَّقلِيدِ وَرَفضِ التَّبَعِيَّةِ وَقَد انتَفَضت تَقُولُ لِكُلِّ مَا خَالَفَ الفُحُولَةَ ( لا )؛وَهَذَا أَمرٌ يُخِيفُ الأَنظِمَةَ وَيُقِضُّ مَضجَعَهَا؛فَإِنَّ الرَّافِعِيَّ كَانَ رَجُلاً لَم يَعرِف الطَّرِيقَ إِلَى العَبقَرِيـَّةِ إِلاَّ مِن جِهَةِ الإِقبَالِ عَلَى القُرآنِ وَلُغَتِهِ القَوِيـَّةِ الشَّامِخَةِ؛فَإِذا بالقُوَّةِ الشَّامِخَةِ وَقَد تَجَسَّدَت في نَفسِ وَعَقلِ الرَّافِعِيِّ .
فَإِن قُلتَ:لا؛إِنمَّا قُدِّمَ العَقَّادُ عَلَى الرَّافِعِيِّ؛لأَنَّ الأَوَّلَ كَانَ أَكثرَ اطِّلاعًا وَأَعظَمَ فَهمًا وَأَذكَى عَقلاً .
قُلتُ لَكَ:انتَظَر !؛فَلا بـُدَّ مِن إِيقَافِكَ عَلَى قَانـُونِ (( صِنَاعَةِ التَّأصِيلِ )) .

ـ صِنَاعَـة التَّأصِيل:
إِنَّ الفَارِقَ بَينَ صِنَاعَةِ التَّأصِيلِ؛وَالَّتِي عَوَّلَ عَلَيهَا الرَّافِعِيُّ؛وَبَينَ صِنَاعَةِ التَّقمِيشِ ـ وَإِن كَانَ تَقمِيشًا مَنهَجِيًّا ـ الَّتِي عَوَّلَ عَلَيهَا العَقَّاد؛هِيَ كَالفَارِقِ بَينَ كُلِّ إِنسَانٍ يجُِيدُ كَيفَ يَقرَأُ وَيَكتُبُ؛وَبَينَ إِنسَانٍ يَعرِفُ كَيفَ تَكُونُ القِرَاءَةُ وَكَيفَ هُوَ مَعنَى التَّدبيجِ الخَالِدِ؛فَإِنَّ العَقَّادَ لَم يَدرُس بجَـِامِعَةٍ وَكَذَلِكَ الرَّافِعِيُّ؛غَيرَ أَنَّ الأَخِيرَ عَلِمَ أَنَّ البنَاءَ المَعرِفِيَّ لا يَكُونُ وَلا يَتِمُّ مَا لَم يُحَصِّل أُصُولَ العِلمِ عَلَى هَيئَةٍ مِنَ الجِدِّ وَصُورَةٍ مِنَ قُوَّةِ التَّلَقِّي؛إِذ كَانَت هَذِهِ العُلُومُ الأَصلِيَّةُ هِيَ سِـرُّ كُلِّ بَيَانٍ عَرَبيٍّ؛بَل هِيَ سِـرُّ كُلِّ عَقلٍ صَحِيحٍ مُكتَمِلٍ؛ وَاعلَم أَنـَّهُ لَيسَ مِن شَرطِ الاكتِمَالِ أَن يَكُونَ اكتِمَالاً صَحِيحًا؛فَلَقَد كَانَ العَقَّادُ مُكتَمِلاً؛غَيرَ أَنَّ اكتِمَالَهُ مَا كَانَ صَحِيحًا عَلَى امتِدَادِ الطَّرِيقِ؛وَلَيسَ مِن لازِمِ القَولِ بالصِّحَّةِ هُنَا أَنـَّهُ كَانَ يَعرِفُ كَيفَ يُدَبِّجُ وَكَيفَ يُسَطِّرُ الصَّحَائِفَ؛لا؛بَل مُرَادُنَا بالصِّحَّةِ هُوَ مُرَادُنَا حِينَمَا نَقُولُ:الاكتِمَالُ الصَّحِيحُ أَو الصِّحَّةُ المُكتَمِلَةُ؛وَهَذَا هُوَ فَارِقُ مَا بَينَ مَن أَخَذَ مِن كُلِّ عِلمٍ بطَرَفٍ؛وَمَن قَتَلَ عُلُومَ الأُصُولِ قَبلَ أَن يَنصَرِفَ إِلَى إِنشَاءِ قَاعِدَةِ البنَاءِ المَعرِفِيِّ؛وَهَذَا هُوَ فَارِقُ مَا بَينَ العَقَّادِ وَالرَّافِعِيِّ؛وَلَعَلَّ هَذَا يَرجِعُ إِلَى النَّشأَةِ الأُولَى عِندَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنهُمَا؛فَإِنَّ العَقَّادَ بَدَأَ بمَِدَارِسِ الحُكُومَةِ؛ثمَّ تَرَكَهَا؛فَوَجَدَ نَفسَهُ بَينَ أَحمَد لُطفِي السَّـيِّد وَيَعقُوب صَرُّوف وَأَمثَالِهِمَا؛فَفَهِمَ مِن خِلالِهِمَا أَنَّ العِلمَ هُوَ مُنَاقَشَةُ دَاروِين في نَظَرِيـَّةِ النُّشُوءِ وَالارتِقَاءِ؛وَلَم يجَـِد مَن يَقُولُ لَهُ:هَذِهِ بدَايَةٌ خَاطِئَةٌ؛حتَّى إِذَا مَا عَرِفَ الطَّرِيقَ؛كَانَت مَعرِفَتُهُ تَتِمُّ حَسبَ رُؤيتِهِ المَنقُوصَةِ بمُِطَالَعَةِ مُلَخَّصَاتِ عُلُومِ التَّأصِيلِ؛فَجَاءَ أَدِيبًا طُلَعَةً؛لَكِنَّهُ إِن بـَزَّ أقرَانَهُ في كَثرَةِ الاطِّلاعِ وَالقِرَاءَةِ ـ وَفي هَذِهِ شَكٌّ عِندِي ـ؛فَإِنـَّهُ لَم يَكُن مُكتَمِلاً وَلا صَحِيحًا في عُلُومِ التَّأصِيلِ إِلاَّ عَلَى وُفقِ الكَيفِيَّةِ الَّتِي يَتَخَرَّجُ بهَا مَن لَم تَكُن هِمَّتُهُ أَن يَبلُغَ مَبلَغًا في هَذِهِ العُلُومِ ـ عُلُومِ التَّأصِيلِ ـ؛وَأَمَّا الرَّافِعِيُّ؛فَكَانَت نَشأَتـُهُ بَينَ أَعمِدَةِ الأَزهَرِ؛فَأَوقَفَتهُ هَذِهِ النَّشأَةُ عَلَى حَقِيقَةِ العِلمِ وَكَيفَ أَنـَّهُ يُعَدُّ مِنَ المُضحِكِ أَن تَلِجَ إِلَى القِرَاءَةِ العَامَّةِ كَى تَعرِفَ أَشيَاءَ كَثِيرَةً لا يَعرِفُهَا جَمهَرَةُ النَّاسِ بَينَمَا أَنتَ لَم تَأخُذ مِن عُلُومِ التَّأصِيلِ إِلاَّ مَا يَأخُذُهُ النَّاشِئَةُ وَمَن لا يَضَعُ في حِسَابَاتِ عَقلِهِ أَن يَتَهَيَّأَ أَدِيبًا مِن هَذِهِ الجِهَةِ؛ وَعَلِمَ أَنَّ الأَمرَ الأَوَّلَ يَقدِرُ عَلَيهِ كُلُّ أَحَدٌ ؛ بَينَمَا لا يَقدِرُ عَلَى الثانِي وَلا يَنشَطُ لَهُ إِلاَّ مَن أَرَادَ أَن تَكُونَ قِرَاءَتُهُ مُختِلَفَةً وَأَن يَكُونَ اطِّلاعُهُ مُبَاينًا لاطِّلاعِ السَّوَادِ الأَعظَمِ مِنَ النَّاسِ؛فَأَقبَلَ عَلَى أُصُولِ التَّأصِيلِ؛وَهِيَ القُرآنُ الَّذِي هُوَ اللُّغَةُ العَالِيَةُ وَالبَيَانُ السَّامِقُ؛يَفهَمُ آيـَاتَهُ لَفظًا وَمَعنًى؛يَقِفُ عِندَ البنَاءِ الفَذِّ وَالدِّلالَةِ الَّتِي تجُبرُ عَلَى الوقُوفِ وَالتَّأَمُّلِ؛وَهُوَ مَعَ ذلِكَ يَمضِي مَعَ عُلُومِ التَّأصِيلِ في نحَوهِا وَصَرفِهَا وَبَلاغَتِهَا؛وَيمَضِي مَعَ اللُّغَةِ في مَعَاجِمِهَا وَكُتُبِ أَسَاطِينِهَا؛وَمَعَ مُوسِيقَى الشِّعرِ كَى يَعرِفَ فَارِقَ مَا بَينَ النَّغَمِ وَيَعرِفَ أَيضًا أَنَّ هَذَا الأَدَاءَ المُوسِيقِيَّ يُحتَاجُ إِلَيهِ في النَّثرِ أَيضًا؛فَاختَلَفَ فَهمُهُ وَعَلا وَبَاينَ فَهمَ العَقَّادِ وَأَمثَالِهِ لِقِيمَةِ عُلُومِ التَّأصِيلِ؛ثمَّ يُشَارِكُ بَعدَ ذَلِكَ في الاطِّلاعِ وَالـقِـرَاءَةِ فـِي شَـتَّى أَصنَـافِ العُـلُومِ وَالفُـنُونِ ؛ غَـيرَ أَنَّ قَاعِدَتهُ تَظَلُّ 
عَمِيقَةً رَاسِخَةَ الجُذُورِ مُقَارَنَةً بالعَقَّادِ وَأَمثَالِهِ مِن أَربَابِ التَّقمِيشِ المَنهَجِيِّ .

وَلِلــحَــدِيــثِ صِــلَـــةٌ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.