جريدة رواد الغد الثقافيه رئيسا مجلس الادارة الاستاذه نداء الرؤح الاستاذ علاء العجمي

الخميس، 1 سبتمبر 2016

مجنون الذهب ..بقلم أ..حسام ابو سعده

مجنون الذهب.
* من كتابى "أساطير الإغريق" ـ دار مشارق.

"ميداس"، ملك "فرجيا"، كان رجلاً فى غاية الطمع و الجشع. فى ذات يوم، أتى "سيلين" الذى كان زعيماً لمجموعة من "الساتير" الذين يجوبون العالم بصحبة الإله "ديونيسوس". توقف "سيلين" أمام بوابة القصر الملكى. كان متعباً و جوعاناً لأنه عائداً من رحلة  لمدة أيام طويلة فى الهضاب و الجبال. "ميداس" إستبشر خيراً بحضوره، قدم له المأوى و المأكل. جلس "سيلين" فى ضيافة الملك لمدة أسبوع. فى الليلة الأخيرة، أمر الملك بإعداد وليمة فاخرة. كانت وليمة ممتعة برفقة النبلاء و الأمراء فى فناء القصر. فى الصباح، إستعد "سيلين"  للرحيل و قبل أن يرحل قال للملك:
- كنت كريماً جداً فى إستضافتى. و أنا  أشكرك على ذلك. أطلب منى أى شئ  كنت تتمناه منذ زمن طويل. سأكون سعيداً لتحقيق حلمك.
برقت عينا "ميداس" فى جشع. هل يطلب عربة جديدة مرصعة بالمجوهرات؟ هل يطلب مائة حصان قوى من "ليديا"؟ هل يطلب خمسمائة رأس ماشية من "أركاديا"؟ كل هذه الأفكار دارت فى رأسه. لكنه خشى أن يفصح عن أفكاره. ربما يكون "سيلين" يفكر فى أشياء أخرى أكثر قيمة من كل ذلك. و ربما يكون "سيلين" لا يفكر إلا فى مجرد كأس بسيط من البرونز. لم يعرف "ميداس" ماذا يطلب. على كل حال، كان حريصاً على عدم  إثارة غضب "الساتير" حتى لا يفقد كل شئ. فقال بعد تردد:
- لا أعرف. أعتقد أن إختيارك سيكون الأفضل.
هز "سيلين" رأسه بالرفض و هو يقول:
- حسناً. أى أمنية سأحققها لك فوراً. لكن فكر جيداً.
كان "سيلين" يبحث فى رأسه عن الهدية المناسبة وهو يقول  ذلك. لكن مجرد أن إنتهى من كلامه، كان "ميداس" قد حدد طلبه. طلب أن يتحول كل شئ يلمسه إلى ذهب. هكذا، سيصبح أكثر ثراءً مما يتخيل  أى إنسان. سيصير ملكاً بين الملوك و سيأتى الرجال ليقدموا فروض الولاء و الطاعة  لعظمته...
حاول تجربة هذه الهبة الجديدة ليعرف ما سيحدث. مجرد أن لمس العرش تحول إلى ذهب خالص. ثم المنضدة  ثم الكأس الذى عليها. ثم  لمس ملابسه فتحولت إلى الذهب الخالص و أصبحت  ثقيلة جداً و تعوقه عن الحركة. خلع ثيابه و ذهب يجرى فى ردهات القصر و هو يضحك و يقهقه. راح يلمس بيديه كل شئ يقع تحت ناظريه. كل شئ يتحول  إلى الذهب. فى خلال لحظات، أصبح كل شئ يتلألأ حوله مثل ألف شمس ذهبية.
تعب "ميداس" من  كثرة الجرى، لم يكن معتاداً على بذل المجهود الكبير. إقترب موعد الغداء، فجلس على المقعد الذهبى أمام المنضدة الذهبية  فى نفس الحجرة التى كان يجلس بها "سيلين". أتى الخادم بعنقود عنب فى طبق و وضعه أمامه. عندما لمس "ميداس" الطبق تحول إلى أنقى أنواع الذهب. ضحك فى سعادة و إلتقط عنقود العنب و بدأ يأكل. فجأة تحجرت ملامحه و عبث وجهه. العنب لم يكن حبات حلوة المذاق، بل تحول إلى كرات ذهبية. الحبات تتلألأ بلون الذهب، هذا شئ  رائع بالتأكيد، لكنها لا تصلح للأكل. ألقى بحبات العنب إلى  الأرض فى غضب ثم طلب اللحم. تكررت نفس الظاهرة... غضب و دفع الخادم الذى كان  يقف بجواره فى إنتظار أوامره. فجأة تحول الخادم إلى  تمثال من الذهب، عينيه ثابتتان تتلألأن ببريق الذهب، لكنه مات...
قفز "ميداس" خارجاً من الحجرة. ذهب إلى المطبخ. مجرد أن لمس حقيبة الغلال حتى تحولت إلى ذهب فوراً. راح يتلمس الجرار التى بها الخمر، فتحولت إلى الذهب كلما حاول الشرب. جلس على الأرض فى يأس و راح يبكى بعد أن تأكد من مفعول هدية "الساتير".
مرت الأيام، و ينمو يأسه و جوعه. لا يستطيع النوم و لا يستطيع الأكل. عندما قبل أولاده تحولوا إلى تماثيل من الذهب. حتى دموعه، مجرد أن تسقط من عينيه  تتحول إلى قطرات ثقيلة من الذهب. فى النهاية  ذهب إلى الكاهن. أعادت كلمات الكاهن إليه بعض الأمل. قال له:
- إذهب فوراً إلى شاطئ نهر "باكتول" و إستحم بمياهه، ستشفيك من لعنة الذهب. لكن يجب أن تكون قد تعلمت الدرس جيداً.
إتبع "ميداس" النصيحة، و شُفى من لعنة الذهب. منذ هذا اليوم أصبحت الرمال التى إستلقى عليها فى هذا الشاطئ ذهبية. عاد إلى قصره و بدأ يفكر فى مستقبله بطريقة مختلفة.
فقد مذاق الذهب، لكنه إكتسب مشاعر جميلة نبيلة. لذلك قرر أن يمنح كل الذهب الذى  لديه إلى الآلهة. لكنه لم يستطع تحديد أى إله.
"أبولون" كان قد أعلن أنه أفضل عازف موسيقى. لكن الساتير "مارسياس" إعترض على هذا. لذلك قرر "أبولون" منافسة "بون". كل إله منهما سيعزف و يصبح على "ميداس" إختيار الأفضل.
"أبولون" عزف على قيثارته، ألحانه جعلت العصافير تخرس على الأشجار للإستمتاع بالموسيقى. "بون" عزف على الناى، ألحانه جعلت السناجب تأتى من بين الأشجار. أدرك "ميداس" أن الإله الذى سيخسر هذه المنافسة  لن يعاقب منافسه، لكن سيعاقب الحكم. على كل حال إختار "بون" ليكون الفائز و منحه كل ثروته الذهبية.
غضب "أبولون" و ضرب الأرض بقدميه و هو يقول:
- أنت آدمى أحمق. أمثالك يجب أن يكون لهم أذن حمار. و ها أنت  تحولت أذنيك إلى أذنى حمار.
تحسس "ميداس" رأسه بيديه و إكتشف أن أذنيه إستطالت و أصبحت مثل أذنى الحمار. غطى رأسه بالمعطف بسرعة و عاد إلى قصره.
أذنى الحمار لا تليق بفخامة ملك مثل "ميداس". سيسخر الناس منه. حاول إرتداء قبعة لديه و بالرغم من ذلك بدت أذنيه واضحة تحت القبعة. على كل حال، سيضطر إلى وضع التاج على رأسه فى بعض الإحتفالات. بالإضافة  إلى ذلك، لن يستطيع وضع القبعة على رأسة أثناء النوم، عندما يأتى  الخادم لإيقاظه أثناء الصباح سيكتشف الحقيقة و يسخر منه. قرر أن يغلق الأبواب على نفسه و ترك شعره  حتى ينمو بغزارة و يغطى أذنيه. أصبح شكله همجياً متوحشاً مثل إنسان الغابة البدائى. إضطر لطلب الحلاق لتصفيف شعره. من الطبيعى أن  يكتشف الحلاق السر. شعر  الحلاق أن السر أكبر و أعظم من أن يحتفظ به لنفسه، فذهب إلى الشاطئ الذى تم فيه علاج "ميداس" من لعنة الذهب. حفر حفرة فى الأرض الطينية و قال فى الحفرة أن أذنيى الملك مثل أذنيى الحمار. بعد أن قال ذلك ردم الحفرة.
إعتقد أنه كتم السر بهذه الحيلة. لكن نمت أعواد البوص فى نفس مكان الحفرة. عندما تشتد الريح ترتجف أعواد البوص و تهمس قائلة: من الذى لديه أذنيى حمار؟ فيأتى الجواب من كل مكان: إنه الملك "ميداس".
* موعدنا الخميس القادم، إن شاء الله.
حسام أبو سعدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.