دقّةُ التّعبيرِ القرآني في اسْتخدامِ الألفاظ (التّقديمُ والتأخيرُ) :
قالَ تعالى (ولا تقولوا لِمَنْ يُقْتَلُ في سبيلِ اللهِ أمواتٌ بل أحياءٌ ولكنْ لا تَشعرونَ * ولَنَبْلُوَنّكم بشيءٍ مِنَ الخَوفِ والجوعِ ونَقْصٍ مِنَ الأموالِ والأنْفُسِ والثّمراتِ وبَشّرِ الصّابرينَ ) البقرة 154، 155.
وقالَ تعالى ( وضَرَبَ اللهُ مَثَلًا قريةً كانتْ آمِنَةً مُطمَئنّةً يأتيها رزقُها رَغَدًا مِنْ كلِّ مكانٍ فَكَفَرَتْ بِأنْعُمِ اللهِ فأذاقَها اللهُ لباسَ الجوعِ والخوفِ بما كانوا يَصْنَعونَ) النّحل 112.
بيّنَ تعالى في الآيتينِ أعلاه من سورةِ البقرةِ أنَّ الّذينَ يُقْتَلونَ في سبيلِ اللهِ ليسوا أمواتًا ولكنْ أحياءٌ إلّا أنّنا لا نشعرُ بذلكَ ، وأنَّ الحياةَ الدّنيا هي دارُ ابتلاءٍ سواءً بالخوفِ أو الجوعِ أو بِنَقْصِ الأموالِ والأنفسِ والثّمراتِ وأنَّ الصّابرينَ على ذلكَ همُ الفائزونَ في الدّارِ الآخرةِ .
وضَرَبَ تعالى في الآيةِ أعلاه مِنْ سورةِ النّحلِ مَثَلًا عن قريةٍ كانتْ في رَغَدٍ مِنَ العَيشِ والأمانِ والأستقرارِ فلم تُقابلْ تلكَ النِّعَمَ مِنَ اللهِ بالشُّكْرِ والأيمانِ ولكنْ كَفَرَتْ بكلِّ ذلكَ فعاقَبَها اللهُ تعالى بأنْ أذاقَها الجوعَ والخوفَ والأضطّرابَ في أحوالِهم ومعائشِهم. ولكنّنا عندَ التَّمَعُّنِ في الآياتِ أعلاه نَجِدُ أنّهُ تعالى قَدَّمَ الخوفَ على الجوعِ في آيةِ البقرة (بشيءٍ مِنَ الخوفِ والجوعِ) وقدّمَ الجوعَ على الخوفِ في آيةِ النّحلِ (لباسَ الجوعِ والخوف) فما السِّرُّ في ذلك ؟؟!!.
والجوابُ عن ذلكَ أنّهُ تعالى في الآيتينِ أعلاه من سورةِ البقرةِ ذَكَرَ الصّراعَ بينَ المؤمنينَ والكُفّارِ وما يُفضي ذلكَ الى القتالِ بينَهما وما يَتَرَتّبُ عليهِ من الخوفِ مِنْ ذهابِ الأنفسِ وخرابِ البيوتِ وتَلَفِ الزّروع وصرفِ الأموالِ الطائلةِ على شراءِ السلاحِ والعتادِ وغيرِ ذلك فَقَدّمَ الخوفَ على الجوعِ مِنْ أجلِ ذلكَ . وأمّا في آيةِ النّحلِ فقد جاءتِ الآيةِ في مُقابَلَةِ نِعَمِ اللهِ تعالى مِنْ رَغَدِ العَيشِ وتوافرِ الزّروعِ والثّمار والأمانِ والأستقرار بالجُحودِ والكُفرانِ فكانتِ النّتيجةُ ذهابَ كلِّ ذلكَ عنهم وإصابتَهم بالمجاعةِ وغيرها مِنَ النِّقَمِ فَقَدّمَ الجوعَ على الخوفِ واللهُ أعلمُ ، فانْظُرْ الى الدّقَّةِ في التّعبيرِ القرآني الّذي لا تغيبُ عنهُ شاردةٌ ولا واردةٌ وقل سبحانَ الّذي وسِعَ كلَّ شيءٍ عِلْما
المهندس خليلُ الدّولة
12/7/2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.