جريدة رواد الغد الثقافيه رئيسا مجلس الادارة الاستاذه نداء الرؤح الاستاذ علاء العجمي

الثلاثاء، 3 يوليو 2018

وتوحدت الاحزان بقلم الشاعرة ماجي صلاح

وتوحدت الاحزان

ما أصعب ان يحول البشر الارض الى حفرة من الجحيم مملوءة بأوحال افعالهم يغوصون فيها بلا خجل او شعور بالاشمئزاز فهي جزء منهم يشعرون فيها بملمس الحرير.. يسحقون المدن تحت جحيم نيرانهم مشمئزين من المتعاطفين يعتبرونهم ضعاف القلوب... فما أقسى شياطين البشر... وقد تعلمت ان كيد الشيطان ضعيف وكيد الانسان يورثنا الفناء..
هناك على اطلال مدينته وقف ذلك الشيخ الفاني ينظر اليها بعد ان تحولت مبانيها الشاهقة الى مقبرة كبيرة ... متسائلا هل تحولنا الى(بومبي)(مدينه فى ايطاليا دمرها بركان فيزوف قبل الميلاد ) الى (سدوم وعامورية)(مدينة سيدنا لوط عليه السلام وقداهلكو بسوء أفعالهم) أي ذنب اقترف ساكنيها؟ هل ارتكبوا خطيئة الاولين والآخرين؟ ... أهذا بلاء ام ابتلاء ... أه يا عين ما عدت كما الماضي ... جفت المآقي كأنما هي صحراء بلا نهاية ... وبخلت علينا السماء ببعض من عطيها لتطفىء النار وتروى العطشا ..
افاق على لمسة ناعمة إنه الطفل الصغير الذي أنقذه من تحت الركام من ايام ... ولا يعرف كم عمره خمس او ست سنوات الله اعلم... ولا يعرف كم عاش تحت الركام ... لكنه سمع ذات صباح وهو يتجول بين الاطلال باحثاً عن شيء يستفيد منه ...
سمع بكاء متقطعاً متهالكً ... نظر حوله عله يجد المساعدة من أحد ولكن لا أحد ... وبكل جهده حرك بعض الحجارة فرأى هذا الطفل الهزيل يزحف نحو النور ... حمله وذهب به الى منزله المهدم وراح يداوى جروحه التي
لا تعد شيئا بالنسبة لسقوط منزله على رأسه..
ويحدث نفسه ... سبحان الله أعطاني عمراً ونجاني من جحيم القنابل ومن براثن البشر..واعطا الطفل عمرا برغم تهدم الدار عليه .
يومها تناول الطفل الطعام بنهم.. ولم يكن يجيب على أي سؤال وله خمس ايام على هذا الحال ... واليوم سيذهب الى منطقته مرة اخرى عله يعثر على أحد يعرف له اهلا..
وصل عند الظهيرة ووقفا على اطلال المنزل والمنازل المجاورة وكان المنظر على امتداد البصر صحراء جرداء عدا تلك الاكوام من الحجارة التي شكلتها المنازل المنهارة وبقايا من البشر، فتحولت الحياة الى موت والنهار الى ليل يغلفه غبار القنابل .... آه يا قلبي الحزين متى تعود الحياة هنا سنوات عجاف مرة متى تزهر الارض مرة اخرى.... 
وانتبه على صوت بعض من الحجارة وهي تتحرك وتتساقط ...
دقق النظر ولكن الرؤيا مشوشة غير واضحة لقد فقد نظارته وما وجد البديل عنها ... تحرك مقترباً بهدوء ... إنها امرأة شابة كانت تقف امام
اطلال منزل مجاور وتفرد ذراعيها لأقصى درجه وقد تقلصت اصابعها كأنها تحتضن تلك الحجارة المنهارة وتبكي بحرقة وتغمغم بكلمات غير مفهومه... لا اعرف هل هي حالة من الهستيريا ام انها تحدث نفسها وانصت كانت تناجى المنزل وترجوه اخبرنى اين هم رجاء اعطنى اشارة علامه واستمرت على هذا المنوال..
امسك يد الصغير وتوجه اليها ووقف يراقبها متسمرا في مكانه لا هي توقفت عن البكاء ولا هو استطاع الاقتراب وهى تناجى الحجارة وتسالها بحرقه وترجوها بامل متكسر ضائع ... حتى انهارت مكانها وسكنت تماما كأنها اصبحت جثة هامدة...
جلس بجنابها هو والصغير ثم اشار للصغير ان يلمس وجهها فهو يعلم ان يد الطفل ببراءتها ترياق للحزن ... لمسها فانتفضت انتفاضة الطير الذبيح ورفعت وجهها ونظرت أليه ثم للصغير واستمرت تحدق بهما ثم هزت رأسها ونهضت بتكاسل ... وكانت تتمتع بوجه دقيق الملامح الا عينيها كانتا كبيرتين بلون غريب كأنه بلون السماء الغائمة.. وتهدل شعرها فغطى جزء من وجهها وتعفر بالتراب وقد كان على طوله يغطى جزء منها كأنه رداء... امسك بيدها ليساعدها للوقوف ... ثم اجلسها بجانب الصغير ... لم تعترض.. جلس ممعنا النظر منتظرا ان تتكلم فلمترفع رأسها... 
سألها.. حدثيني يا ابنتي هل اصابك مس حتى تناجى الحجارة؟... فأجابت ... كان ابني وامئ في هذا المنزل.. كنت اعمل واعيلهم بعد ان فقدت الزوج والاب والاخ.. واليوم موعد زيارتي وها أنا ذا اجدهم قد تبخروا ولا اعرف لماذا لم أكن معهم ؟ ..
كم كان عمر ابنك؟ 
عشر سنوات ... انجبته وانا ادرس ...
واسترسلت قائلة: كان ابني وصديقي وكل ما بقي لي هو وامي..
كنت اعيش مع أسرتي واعمل في شركة صغيرة بمرتب محترم، وزوجي يعمل في محله الصغير للأجهزة، لكن مات الزوج، وتبعه الأخ، واصيب الاب ولم أجد موردا، وبعد اسابيع مات الاب متأثرا بجراحه ولم اجد له الدواء.. ولم يبقى لي سوى الام والابن، وها انا ذا فقدتهم كذلك... وضاع كل شىء ..وعملي ما كان يسمح لي بالبقاء معهم ... وأجهشت بالبكاء مرة أخرى....
ما هو عملك؟؟
راحت تضحك بصوت مرتفع هستيري... ثم صمتت.. وابتسمت ابتسامة أقرب الى ابتسامة الموناليزا ومازلت دموعها تتساقط ... وقالت:
اعمل أقدم مهنه امتهنتها المرأة في التاريخ 
ماذا؟
نعم ... الم تفهم؟ اعمل بائعة الهوى او رفيقه او صاحبه سمها ماتشاء... 
كيف؟
فشلت في ان أجد من يحترم آدميتي، مع مرض الام وعجزها وجوع الصغير وصراخه ...
أبنتي تموت الحرة ولا تآكل بثديها ...
ولا اعرف كيف أتتني الجرأة على قول موعظة في موقف كهذا ...
لمّ تغضبْ ... نظرت ألي بازدراء..
إذن أخبرني ايها الحر.. ماذا اخبروك عن الحرة حين يموت طفلها بين ذراعيها جوعا ومرضا هل اتركه يموت؟ وماذا عن امي وهي عاجزة... أخبرني عن تلك الشعارات حين تتهاوى بين يديّ اجسادهم وينحل من الجوع عودهم . واخبرنى حين يطالب كل رب عمل بعملى نهار وجسدى ليل هل اعطيهم بلا مقابل فهم يبيعون ويشترون كل الاشياء ويستغلون زمن الحرب وفى التجارة ويدعون التقى والبرائه .. لما الصمت لماذا لم اسمع اجابتك؟ ... 
لم يجد الشيخ إجابة ولا يدري ما يقول ... واطرق برأسه قليلا ثم قال:
دعكِ مني فانا عجوز طحنته السنين.. هلمي معي لا اظنك ستعودين لعملك بعد الان؟
تبعته محطمة ولم تعترض ... يسيرون متعثرين، وقد اخذ على نفسه عهدا ان يرعى الطفل الصغير والمرأة المحطمة ... وهو الكهل المتهالك البدن وهو من يحتاج لمن يرعاه ... 
وصلوا الى اطلال منزلٍ شبه منهار وقال: هذا هو بيتي
نظرت اليه قائلة: ما هذا اين تعيش تلك جداران بلا ابواب وبلا شبابيك وحتى السقف لا يحميه..
اجابها الشيخ: 
ابنتي هلمي ولا تحكمي بالمظاهر 
واشار لها، ارفعِ هذا معي.. 
ما هذا؟ ما كل تلك الاخشاب؟ 
لا ... انظري.. ثم مد يده وامسك بقطعة صغيرة تشبه مقبض الباب ورفعها، فارتفعت تلك الاخشاب بيسر... لقد كانت غطاء لباب سفلي.. نزلوا، واعاد الباب واغلقه من الداخل... 
نظرت المرأة بتعجب وباستغراب فقال لها:
عندما بدأت الحرب اعددته انا وابني للأسرة وكانت زوجتي وزوجته والأولاد يعيشون هنا واستمرينا سنوات حتى كان يوم خرجنا بعد ان هدأ القصف، وكنت مرهقا فغفوت، وخرج الاولاد في المساء ولسخرية القدر، عبث الا طفال بشيء لا اعلم ما هو... انفجر فيهم وماتوا الا ابني، فقد بترت ساقه وذراعه فانظري الى حالي خمس احفاد وزوجة، وزوجة ابن وهي ابنة اخي، وابن معوق..
اجلسى فقد رزقني الله أمس ببعض الطعام...
نظرت المرأة وقالت: اين ابنك؟
سيظهر عن قريب فله قصه مختلفة والان اجلسي هنا حتى احضر بعض الطعام لك وللطفل وحاولي ان تتحدثي معه عله يتحدث فمنذ وجدته وهو صامت...
جلس يراقبهم وهم يأكلون، سبحانه تعالى، إنه يسبب الأسباب، تلك النظرة الراضية على وجه المرأة ونظرة الحيرة الممزوجة بالسعادة على وجه الطفل وهي تطعمه..
شعر بنبضة مضطربة في قلبه... نعم هي نبضة السعادة التي لم يشعر بها من سنوات، والغريب انها المته، كأنما السعادة اصبحت داء لا ترياق لها في زمن الضياع ...
سمعت المرأة طرقة خفيفة على الباب وحرك المزلاج..
ثم دخل ابنه ببطء وهو يحمل حقيبة على ظهره... نظر حوله وعبس قائلا:
الا ننتهي كل يوم تحضر لنا اشخاص جدد نتخلص من شخص تأتي بغيره انتفضت علياء نعم اسمها علياء وقد أغفلت عن ذكرة... وأشار لها الشيخ 
أن اهدأي، فهدأت.. ثم قال لابنه:
ماذا يا بني كلنا في المصاب بشر فاهدأ ... وأخبرني اين كنت؟ لي اسبوعا لم اراك؟
لم يجيب ودخل من باب صغير واغلقه خلفه بهدوء قاتل ...
نظرت له علياء متسائلة فأشار لها لننتقل للجهة الاخرى وتحركت بهدوء حاملة الطفل بين ذراعيها تضمه وتهدده وقد غفى مستسلما للنوم...
كم هي غريبة هذه الحياة برغم ما هي فيه من مأساة تفاعلت مع ما تراه ، كأنما لقائنا كان لغاية وغرض من الخالق سبحانه فبرغم كل شىءعاشت بإحساس الأمومة..
احضر لها كوبا من الشاي واستطرد قائلا: 
أبني كان ضابطا في الجيش في سلاح المهندسين وكان بارعا في عمله متخصصا في صنع الأجهزة ورياضيا من الدرجة الاولى يعشق حمل الاثقال وهذا المكان الذي نجلس فيه كان يعده أبني مكانا للرياضة له ولأصدقائه وكان يكمل توسيعه لتحويله لنادى رياضي وكأنما القدر اراد ان يعده لنا مخبأ او منفذا حتى لا نهرب من البلد مثل من هرب لعدم وجود مكان او ملجأ ...انا لم أستطيع ان ارحل عن مدينتي فاهنا كان يزهر الياسمين ...في فناء الدور للتاريخ رائحة في زواياها رائحة بعض من عاشوا فيها من خلفاء ..كم حاول الكثير تدميرها لكنها في كل مرة كانت الناجية
وعندما بدأت الحرب واصبح القصف عشوائيا واصبحنا بين فكي الرحى، سلطة شرعية واخرى غير شرعية يسعون لبسط نفوذهم على مناطق التماس ونحن من تلك المناطق وها أنت ترين النتائج..
اما أبني فلم يصاب في الجيش، انت سمعت قصتنا.. بترت ساقه اليمنى وبتر ذراعه الأيسر.. وتهدم جزء كبير من المنزل فتصوري سخرية القدر.. أبني في الجيش لعامين ولم يصب بخدش ومنزلنا في وسط القصف لم يسقط منه حجر. وكأنما احتفظ لنا القدر بما هو أقسى من الجميع وكما يقول المثل، كلنا في الهم سواء..
لو تعرفين كم بكيت وكم فقدت الرغبة في الحياة ولكنى بقيت اداوي ابنى، احضرت له طبيبا من اصدقائنا عالج مكان البتر، ولكن ابنى اصبح بحالة من الاكتئاب، ولكنه تخلص من هذا بعد فترة وتحول الى كائن متحرك بلا روح..
وراح أبني يجتهد حتى صنع لنفسه ساقا ويدا بمساعدة بعض اصدقائه..
ربما ليسوا جيدين ولكنه أعاد له القدرة على الحركة.. لا يهدأ ابدا.. فلم يخرج من الجيش الا بالاسم فقط، لم اكن اعرف ماذا يصنع كانا دائما صامتا غاضبا يخرج لأسابيع ولا اعرف اين يذهب..
حتى عرفت انه قرر ان يتدرب ليكون قناص فقد كانا بارع فى استخدام السلاح حاولت ان اثنيه فالجنود وقود لقاده طامعين يحركونهم بشعارت لا يؤمنون بها ولكن يتلاعبون بعقول الضعفاء والبسطاء ..ولكنه صم الاذان وتجاهل كلامى ربما الحرب شارفت على الانتهاء ولكنها اصبحت تسكنه وكل امله ان يستئصل من تسببو بموت اسرته وتحول الى الة انتقام .
نظرت اليه علياء قائلة ... اعانك الله لا اعرف ماذا اقول كلنا في المصاب بشر كما أخبرتني ..
اسمح لى سأذهب الان..
لا ... هذا لن يحدث ابداً، ابقي معنا فانت تحتاجين لنا كما نحتاج لك وكذلك هذا الطفل بحاجة لك ... 
انتبهت له.. ونظرت الى الطفل وضمته بحنان دافق.. تحرك قلبها رغم ما عانى ذلك القلب من الم ورغم مأساتها، انها عاطفة الامومة وحنانها وعطائها الغير مشروط.. ابتسم الشيخ وقال: احمليه ادخلي به خلف الستار ضعيه على السرير نامي بجانبه.. فإن للصباح قصة أخرى ...
دخلت بلا نقاش ربما اعتبرت هذا نهاية رحلت الضياع .. كأنما الفت الحرب بين قلوب من تصيبهم المصائب..
لا اعرف ولكن للحياة حكمتها وقصصها التي تدهشنا وتفاجئنا دائما وها هوالقدر ينسج قصة جديده ربما ينبت منها خير للجميع...

ماجي صلاح

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.