جريدة رواد الغد الثقافيه رئيسا مجلس الادارة الاستاذه نداء الرؤح الاستاذ علاء العجمي

الاثنين، 12 فبراير 2018

البقايا قصه بقلم محمد على عاشور

قصة قصيرة بقلم محمد على عاشور
البقايا
قال لها و هى ما زالت جالسة على سجادة الصلاة تختم صلاتها : سوف ننتقل غدا إلى منزلك الجديد يا أمى .
نظرت إليه مبتسمة ، و واصلت تسبيحها ، ثم رفعت يديها إلى السماء تدعو فى سرها ، ثم مسحت بيديها على وجهها حامدة الله ، و قامت فى تؤدة و جلست بجوار ابنها و هى تبتسم دون أن تتكلم .
يا أمى لم لا تردين ؟
قالت و مازالت الابتسامة لا تفارق وجهها : كيف اترك أباك و أمشى .
: يا أمى أبى مات . 
نظرت إليه و عيناها تدور فى المكان:
هل تعلم كم عدد أحجار هذا البيت ؟! لقد حملت هذه الاحجار على رأسى حجرا حجرا، أتعرف ماذا كان يفعل والدك فى كل مرة أحمل فيها الحجارة ؟ كان يقبل رأسى قبل أن أحملها و بعد أن أضعها.
صمتت و ماذالت عيناها تدور فى المكان و أخذت تشير بإصبعها و لا تتكلم .
ظل يتابع قسمات وجهها الهادئة و هى تدور بعينيها فى المكان و السعادة تخرج من وجهها : أتعرف كيف ادخلني أبوك البيت ؟! لقد حملنى على كتفه كطفل صغير و دار. بى فى كل أرجاء البيت . أتعرف ؟ لقد ولدت انت فى هذه الغرفة ، و أخوك و أختك ولدا فى الغرفة الشتوية ، كنت أنت الكبير ، كان سعيدا بك ، لقد حملت فيك بعد أن انتقلنا هنا ، كنا أول الناس الذين يسكنون هنا ، و كنت أول طفل يولد هنا ، كان أبوك يحضر إليك الفاكهة و يدعك تأكل منها حتى تشبع ثم نأكل ما عبثت به و لم تأكله ، كان يحملك و يدور بك فى كل مكان .
يحاول قبض غيظه : يا أمى انتقلى معى و تعالى زورى البيت كلما شئت.
ابتسمت : و اترك أباك و اخوتك و اتركك.
: يا أمى أنا معك و إخوتى أيضا.
قالت له وهى تبتسم ، إن أباك معى و أنت و إخوتك أيضا ، هل تعتقد أنى لا أعلم أن أباك مات ، إنه معى دائما، لقد قبل رأسى بعدد أحجار البيت ، إن كل حجر منهم كان يساوى قبلة ، هل رأيت هذا الثمن من قبل ؟
وقف فى هدوء و قبل يديها و رأسها و قال : إنى قادم غدا لأصحبك إلى بيتك الجديد .
و بدأ ينصرف ناحية الباب .
نادت عليه ، فعاد مسرعا و قد جلس عند رجليها .
: سأريك شيئا لم تره من قبل. .
قامت و اتجهت إلى خزانة ملابسها ، و أخرجت حقيبة يد صغيرة قديمة ، و قامت بفتحها و شمها و أغمضت. عينيها ، ثم قال له : أنظر إلى هذه البقايا ،..... هذا التراب قمت بجمعه من البيت بعد وفاة والدك ، هذا التراب فيه من قدم والدك ....، من الأماكن التى كان يمشى فيها...... و يجلس فيها .....، و ينام فيها ، أنثرها على الأرض كل مدة ، ثم اجمعها و أضعها فى الصرة ثم فى الحقيبة ، ......هذا البيت ليس بيتا ،.... أنه حياة ، عشتها معه و معكم .
نظر إليها و هو يبتسم : أمى سوف أتى غدا لأصحبك. 
نظرت إليه و هى تبتسم و لم تتكلم.
فى اليوم الثانى جاء و دخل عليها و هى تصلى ، انتظر حتى أنهت صلاتها ، و قال لها : هيا يا أمى كى نذهب .
نظرت إليه وهى تبتسم ولم تتكلم .
أخذ يفتح خزانة ملابسها ، و يضعها فى حقيبة كبيرة و هى تتابعه و تبتسم وتنظر داخل الخزانة إلى الحقيبة التى بها البقايا. 
جمع كل الملابس ، تاركا حقيبة البقايا التى تعلقت عيناها بها ثم قال : سوف أذهب لأضع الأشياء بالسيارة و أعود لأصحبك .
حمل الحقيبة و خرج ، و بعد قليل عاد ، و جدها عند الخزانة تحضن البقايا .
وجد عينها تنظر آلية دون حراك و البسمة لا تزال فى شفتيها ، ضمها إلى صدره بشدة و هو يقول: سامحينى يا أمى .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.